الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول ***
سُلَّمُ الوُصُول إلى عِلْم الأصُول في توحيد الله واتِّباع الرَّسُول، صلى الله عليه وسلم. المجلد الأول بسم الله الرحمن الرحيم
أَبْدَأُ باسْمِ الله مُسْتَعِينَا *** رَاضٍ بهِ مُدَبِّرًا مُعِينَا والْحَمْدُ لله كَمَا هَدَانَا *** إلى سَبيلِ الحَقِّ واجْتَبَانا أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشكُرُهْ *** وَمِن مَسَاوِي عَمَلِي أَسْتَغفِرُهْ وأَسْتَعِينُهُ عَلى نيْلِ الرِّضَا *** وأَسْتَمِدُّ لُطفَهُ في مَا قَضَى وبعدُ إِني بالْيقِينِ أشهد *** شَهَادَةَ الإِخلاصِ أَنْ لا يُعْبَدْ بِالْحقِّ مأْلُوهٌ سِوَى الرَّحْمنِ *** مَنْ جَلَّ عَنْ عَيْبٍ وَعَنْ نُقْصَانِ وأَنَّ خيْرَ خلْقِهِ محَمَّدا *** مَنْ جاءَنَا بالْبَيِّنَات والْهُدَى رسوله إلى جَمِيعِ الْخَلْقِ *** بالنُّورِ والْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ صَلَّى عَلَيْهِ رَبُّنَا وَمجَّدا *** واْلآلُ وَالْصَّحْبُ دَوَاماً سَرْمَدَا وَبَعْدُ هَذَا النَّظمُ فِي الأُصولِ *** لِمَنْ أَرَادَ منْهَجَ الرَّسُول سَأَلَنِي إيَّاهُ مَنْ لا بُدَّ لِي *** منِ امْتِثَالِ سُؤلْهِ الْمُمْتَثَل فَقُلْتُ مَعْ عَجْزي وَمعْ إِشفَاقِي *** مُعْتَمِداً على الْقَدِيرِ الْبَاقِي
اعْلَمْ بأَنَّ الله جَل وَعَلا *** لَمْ يَتْرُكِ الْخَلْقَ سُدًى وَهَمَلاَ بَلْ خَلَقَ الْخَلْقَ لِيَعْبُدُوهُ *** وَبالإِلهِيَّةِ يُفردُوهُ أَخْرَجَ فيمَا قَدْ مَضَى مِن ظَهْرِ *** آدَمَ ذُرِّيَّتَهُ كَالذَّرِّ وَأخَذَ الْعَهْدَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ *** لا رَبَّ معْبُودٌ بحقٍّ غَيْرَهُ وَبَعْدَ هذَا رُسْلَهُ قَدْ أَرْسَلا *** لَهُمْ وَبالْحَقِّ الْكِتَابَ أَنْزَلا لِكَيْ بِذَا الْعَهدِ يُذَكِّرُوهُمْ *** وَيُنذِرُوهُمْ وَيُبَشِّرُوهُمْ كَيْ لَا يَكُونَ حُجةٌ لِلنَّاسِ بَلْ *** لله أَعْلَى حُجَّةٍ عَزَّ وَجَلْ فَمَنْ يُصَدِّقْهُمْ بِلا شِقَاقِ *** فَقَدْ وَفَى بِذَلِكَ الْمِيثَاقِ وَذَاكَ ناجٍ مِن عَذَابِ النَّارِ *** وَذَلِكَ الْوَارِثُ عُقبَى الدَّارِ وَمَنْ بِهِمْ وَبالْكِتَابِ كَذَّبَا *** وَلاَزَمَ الإِعْرَاضَ عَنْهُ والإِبَا فَذَاكَ نَاقِضٌ كِلاَ الْعَهْدَيْنِ *** مُسْتَوْجِبٌ لِلخِزْيِ في الدَّارَيْنِ
أَوَّلُ وَاجِبٍ عَلى الْعَبِيدِ *** مَعْرِفَةُ الرَّحْمنِ بالتَّوْحِيدِ إذْ هُوَ مِن كُلِّ الأَوَامِر اعْظَمُ *** وَهْوَ نَوْعَانِ أَيَا مَن يَفْهَمُ إِثْبَاتُ ذَاتِ الرَّبِّ جَلَّ وَعَلاَ *** أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى صِفَاتِهِ الْعُلَى وَأَنَّهُ الرَّبُّ الْجَلِيلُ الأَكْبَرُ *** الْخَالِقُ الْبَارئُ وَالْمُصَوِّرُ بَارِي الْبَرَايَا مُنشِئُ الْخَلاَئِقِ *** مُبْدِعُهُمْ بلا مِثَالٍ سَابِقِ الأَوَّلُ الْمُبْدِي بلاَ ابْتِدَاءِ *** والآخِرُ الْبَاقِي بِلاَ انْتِهَاءِ الأَحَدُ الْفَرْدُ الْقَدِيرُ الأَزَلِيّ *** الصَّمَدُ الْبَرُّ الْمُهَيْمِنُ الْعَلِيّ عُلُوَّ قَهْرٍ وَعُلُوَّ الشَّانِ *** جَلَّ عَنِ الأَضْدادِ وَالأَعْوَانِ كَذَا لَهُ الْعُلوُّ وَالْفَوْقِيّةْ *** عَلَى عِبَادِهِ بِلاَ كَيْفِيَّةْ وَمَعَ ذَا مُطَّلِعٌ إِلَيْهمُ *** بِعِلمِهِ مهَيْمِنٌ عَلَيْهِمُ وَذِكرُهُ لِلقُرْبِ وَالْمَعِيَّةْ *** لَمْ يَنْفِ لِلْعُلُوِّ وَالْفَوْقِيةْ فَإِنَّهُ الْعلِيُّ فِي دُنُوِّهِ *** وَهْوَ الْقَرِيبُ جَلَّ فِي عُلُوِّهِ حَيٌّ وَقَيُّومٌ فَلا يَنَامُ *** وَجَلَّ أَنْ يُشْبِههُ الأَنَامُ لاَ تَبْلُغُ الأَوْهَامُ كُنْهَ ذَاتِهِ *** وَلاَ يُكَيِّفُ الْحِجَا صِفَاتِهِ باقٍ فَلاَ يَفْنَى وَلاَ يَبِيدُ *** وَلاَ يَكُونُ غَيْرَ مَا يُرِيدُ مُنفَرِدٌ بالْخَلْقِ وَالإِرَادَةْ *** وَحَاكِمٌ جَلَّ بِمَا أَرَادَهْ فَمَنْ يَشَأْ وَفَّقَهُ بفَضْلِهِ *** وَمن يَشَأْ أَضَلَّهُ بِعَدْلِهِ فَمِنْهُمُ الشَّقِيُّ وَالسَّعِيدُ *** وَذَا مُقَرَّبٌ وَذَا طَريدُ لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ قَضَاهَا *** يَسْتَوْجبُ الْحَمْدَ عَلَى اقتِضَاهَا وَهْوَ الَّذِي يَرَى دَبِيبَ الذَرِّ *** فِي الظُّلُمَاتِ فَوْقَ صُمِّ الصَّخْرِ وَسَامِعٌ لِلْجَهْرِ وَالإِخفَاتِ *** بِسَمْعِهِ الْوَاسِعِ لِلأَصْوَاتِ وَعِلْمُهُ بمَا بَدَا وَمَا خَفِي *** أَحَاطَ عِلما بالْجَلِيِّ وَالْخَفِي وَهْوَ الْغَنِيُّ بِذَاتِهِ سبْحَانَهُ *** جَلَّ ثَنَاؤُهُ تعالى شَانُهُ وَكُلُّ شَيءٍ رِزْقُهُ عَلَيْهِ *** وَكُلُّنَا مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ كَلَّمَ مُوسَى عَبْدَهُ تَكْلِيمَا *** وَلَمْ يَزَلْ بِخَلْقِهِ عَلِيمَا كَلاَمُهُ جَلَّ عَنِ الإِحْصَاءِ *** وَالْحَصْرِ وَالنَّفَادِ وَالْفَنَاءِ لَوْ صَارَ أَقلاَمًا جَمِيعُ الشَّجَر *** وَالْبَحْرُ تُلقَى فِيهِ سَبْعَةُ ابْحُرِ وَالْخَلْقُ تَكتُبْهُ بكُلِّ آنِ *** فَنَتْ وَلَيْسَ الْقَوْلُ مِنْهُ فَانِ وَالْقَوْلُ فِي كِتَابِهِ الْمُفَصَّل *** بأَنَّهُ كَلاَمُهُ الْمُنَزَّلْ عَلَى الرَّسُولِ الْمُصْطَفَى خَيْرِ الوَرَى *** لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ وَلاَ بِمُفْتَرَى يُحْفَظُ بالْقَلْبِ وَباللِّسَانِ *** يُتْلَى كَمَا يُسْمَعُ بالآذَانِ كَذَا بِالَابْصَارِ إِلَيْهِ يُنْظَرُ *** وَبالأَيَادِي خَطُّهُ يُسَطَّرُ وَكُلُّ ذِي مَخلُوقَة حَقِيقَهْ *** دُونَ كَلاَمِ بارئ الْخَلِيقَهْ جَلَّتْ صِفَاتُ رَبِّنَا الرَّحْمنِ *** عَن وَصْفِهَا بالْخَلْقِ وَالْحَدثَانِ فَالصوْتُ والأَلْحَانُ صَوْتُ الْقَارِي *** لكنَّمَا الْمَتلُوُّ قَوْلُ الْبَارِي مَا قَالَهُ لَا يَقبَلُ التَّبْدِيلاَ *** كَلا ولا أَصْدَقُ منهُ قِيلا وَقَدْ رَوَى الثِّقَاتُ عَن خَيْرِ المَلاَ *** بِأَنَّهُ عز وجل وَعَلاَ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَخِيرِ يَنْزِلُ *** يَقُولُ هَلْ مِن تَائِب فَيُقبِلُ هَلْ مِنْ مُسِيءٍ طالِبٍ لِلْمَغْفِرَةْ *** يَجِدْ كَرِيما قَابِلا لِلْمَعْذِرَةْ يَمُنُّ بالْخَيْرَاتِ وَالْفَضَائِلْ *** وَيَسْتُرُ الْعَيْبَ وَيُعْطِي السَّائِلْ وَأَنَّهُ يَجيءُ يَوْمَ الْفَصْلِ *** كَمَا يَشَاءُ لِلْقَضَاءِ الْعَدْلِ وَأَنهُ يُرَى بِلا إِنْكَارِ *** فِي جَنَّةِ الفِرْدَوْسِ بالأَبصَارِ كلٌّ يَرَاهُ رُؤيَةَ العِيَانِ *** كَمَا أَتَى فِي مُحْكَمِ الْقُرآنِ وَفِي حَدِيثِ سَيِّدِ الأَنَامِ *** مِنْ غَيْرِ مَا شَكٍّ وَلا إِبْهَامِ رُؤْيَةَ حَقٍّ لَيْسَ يَمْتَرُونَهَا *** كَالشَّمْسِ صَحْوًا لَا سَحَابَ دُونَهَا وَخُصَّ بالرُّؤيَةِ أَوْلِيَاؤُهُ *** فَضِيلَة وَحُجِبُوا أَعْدَاؤُهُ وَكلُّ مَا لَهُ مِنَ الصِّفَاتِ *** أَثْبَتَهَا فِي مُحْكَمِ الآيَاتِ أَوْ صَحَّ فيمَا قَالَهُ الرَّسُولُ *** فَحَقّهُ التَّسلِيمُ وَالقَبُولُ نمِرُّهَا صَرِيحَة كَمَا أَتَتْ *** مَعَ اعْتِقَادِنَا لمَا لَهُ اقْتَضَتْ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيف وَلاَ تَعْطِيلِ *** وَغَيْرِ تَكْيِيف وَلاَ تَمْثِيلِ بَلْ قَوْلُنا قَوْلُ أَئمة الهدَى *** طُوبَى لِمَنْ بهَدْيِهِمْ قَد اهْتدَى وَسَمِّ ذَا النَّوْعِ مِنَ التَّوْحِيدِ *** تَوْحِيدَ إِثْبَاتٍ بِلا تَرْدِيدِ قَدْ أَفْصَحَ الوَحيُ المُبين عَنْه *** فَالْتَمِسِ الْهُدَى الْمُنِيرَ منهُ لاَ تَتَّبِعْ أَقوَالَ كلِّ مَارِدِ *** غَاوٍ مُضِلٍّ مَارِق مُعانِدِ فَلَيْسَ بَعْدَ رَدِّ ذَا التِّبْيَانِ *** مِثْقَالُ ذَرَّة مِنَ الإِيمَان.
هّذَا وَثَانِي نَوْعَي التوْحِيدِ *** إِفْرادُ رَبِّ الْعرْشِ عنْ نَديدِ أَنْ تَعْبُدَ الله إِلهاً وَاحِدَا *** مُعْتَرِفاً بِحَقِّهِ لَا جَاحِدَا وَهوَ الَّذي به الإِله أَرْسَلا *** رُسْلَهُ يَدْعُونَ إِلَيْهِ أَولا وَأَنْزَلَ الْكِتَابَ والتِّبْيَانَا *** مِن أَجْلِهِ وَفَرَقَ الْفرْقَانَا وَكلفَ الله الرَّسُولَ الْمُجْتَبى *** قِتَالَ مَن عَنْهُ تَوَلَّى وَأَبَى حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ خَالِصاً لَهُ *** سِرًّا وَجَهْرا دِقَّهُ وَجِلَّهُ وَهَكَذَا أُمَّتُهُ قَدْ كُلِّفُوا *** بذَا وَفِي نَصِّ الْكِتَابِ وُصِفُوا وَقَدْ حَوَتْهُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةْ *** فَهِيَ سَبِيلُ الْفَوزِ وَالسَّعَادَةْ مَن قَالَهَا مُعْتَقِداً مَعْنَاهَا *** وَكَانَ عَامِلًا بمُقْتَضَاهَا فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَمَاتَ مُؤمِنَا *** يُبْعَثُ يَوْمَ الْحَشرِ نَاجٍ آمِنَا فَإِن مَعْنَاهَا الَّذِي عَلَيْهِ *** دَلتْ يَقِينا وَهَدَتْ إِلَيْهِ أَن لَيْسَ بالْحَقِّ إِلهٌ يُعْبَدُ *** إِلاَّ الإِلهُ الوَاحِدُ الْمُنْفَرِدُ بِالْخَلقِ وَالرِّزْقِ وَبالتَّدْبِيرِ *** جَلَّ عَنِ الشَّرِيكِ وَالنَّظِيرِ وَبِشُرُوطٍ سَبْعَةٍ قَدْ قُيِّدَتْ *** وَفِي نُصُوصِ الوَحْيِ حَقّاً وَرَدَتْ فَإِنَّهُ لَمْ يَنتَفِعْ قَائِلُهَا *** بالنُّطْقِ إِلاَّ حَيْثُ يَسْتَكْمِلُهَا الْعِلمُ وَالْيَقِينُ وَالقَبُولُ *** وَالاْنقِيَادُ فَادْرِ مَا أَقُولُ وَالصِّدْقُ وَالإِخْلاَص وَالْمَحَبَّهْ *** وَفَّقَكَ الله لِمَا أَحَبَّهْ.
ثمَّ الْعِبَادَةُ هيَ اسْمٌ جَامِعُ *** لِكُلِّ مَا يَرْضَى الإِلهُ السَّامِع وَفِي الْحَدِيثِ مخها الدُّعَاءُ *** خَوْفٌ تَوَكُّلٌ كَذَا الرجَاءُ وَرَغْبَة وَرَهْبَةٌ خشوعُ *** وَخَشيَةٌ إِنَابَة خضُوع وَالاسْتِعَاذَةُ وَالاسْتِعَانَةْ *** كَذَا اسْتغَاثَةٌ بهِ سُبْحَانَهْ وَالذَّبْحُ وَالنَّذْرُ وَغَيْرُ ذَلِك *** فَافْهَمْ هُدِيتَ أَوْضَحَ الْمَسَالِك وَصَرفُ بَعْضِهَا لغَيْرِ الله *** شِرْكٌ وَذَاكَ أَقبَحُ المَنَاهِي.
وَالشِّرْكُ نَوْعَانِ فَشِرْكٌ أكبَرُ *** بهِ خُلودُ النَّارِ إِذْ لَا يُغْفَرُ وَهُوَ اتِّخَاذُ الْعَبْدِ غَيْرَ اللهِ *** نِدًّا بهِ مُسَوِّياً مضَاهِي يَقْصُدُهُ عِنْدَ نُزُولِ الضُّرِّ *** لِجَلْبِ خَيْرٍ أَوْ لدَفْعِ الشرِّ أَوْ عِنْدَ أَيِّ غَرَضٍ لَا يَقدِرُ *** عَلَيْهِ إِلاَّ المَالِكُ الْمُقتَدِرُ مَعْ جَعْلِهِ لِذَلِكَ الْمَدْعُوِّ *** أَوِ المُعَظَّمِ أَوِ المَرْجُوِّ فِي الْغَيْبِ سُلطَاناً بِهِ يَطَّلِعُ *** عَلَى ضَمِيرِ مَنْ إِلَيْهِ يَفْزَعُ وَالثَّانِ شِرْكٌ أَصْغَرٌ وَهوَ الرِّيَا *** فَسَّرَهُ بِهِ خِتَامُ الأَنْبِيَا وَمِنهُ إِقسَامٌ بِغَيْرِ البَارِي *** كَمَا أَتَى في مُحكَمِ الأَخْبَار.
وَمنْ يَثِقْ بوَدْعَةٍ أَوْ نَابٍ *** أَوْ حَلْقَةٍ أَوْ أَعْيُنِ الذِّئَابِ أَوْ خيْط أَوْ عُضْوٍ منَ النُّسُورِ *** أَوْ وَتَرٍ أَوْ ترْبَةِ القُبُورِ لأَيِّ أَمْرٍ كَائِنٍ تَعَلّقهْ *** وَكَلَهُ الله إلى مَا عَلَّقَهْ ثُم الرُّقَى منْ حُمَةٍ أَوْ عَيْنٍ *** فإِنْ تكُنْ مِنْ خَالِصِ الوَحْيَيْنِ فَذَاكَ مِنْ هَدْيِ النَّبيِّ وشِرْعَتِهِ *** وَذَاكَ لَا اخْتِلاَفَ فِي سُنِّيَتِهِ أَمَّا الرُّقَى الْمَجْهُولَةُ الْمَعانِي *** فَذَاكَ وِسْوَاسٌ مِنَ الشيطَانِ وَفِيهِ قَدْ جَاءَ الْحَدِيثُ أَنَّهْ *** شِرْكٌ بِلاَ مِرْيَةٍ فَاحْذَرَنَّهْ إِذْ كُلُّ مَنْ يَقولُهُ لَا يَدْرِي *** لَعَلهُ يَكُونُ مَحْضَ الكُفْرِ أَوْ هُوَ مِنْ سحْرِ الْيَهُودِ مُقْتَبَسْ *** عَلَى العَوامِ لَبَّسُوهُ فَالْتَبَسْ فَحذراً ثمَّ حَذَارِ منْهُ *** لَا تَعْرِفِ الْحقَّ وَتَنْأى عَنْهُ وَفِي التَّمَائِمِ الْمُعَلَّقَاتِ *** إِنْ تَكُ آياتٍ مُبَيِّناتِ فَالاختلاف وَاقِعٌ بَيْنَ السَّلَفْ *** فَبَعْضُهُم أَجَازَها وَالْبَعْضُ كَفْ وَإِنْ تَكُنْ مِمَّا سوَى الوحْيَيْنِ *** فَإِنَّهَا شِرْكٌ بِغَيْرِ مَيْنِ بَلْ إِنَّهَا قَسيْمَةُ الأَزْلاَمِ *** فِي الْبُعدِ عَن سِيمَا أُولى الإِسْلَامِ.
هَذَا وَمِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ *** مِنْ غَيْرِ مَا تَرَدُّدٍ أَوْ شَكِّ مَا يَقْصُدُ الجُهَّالُ مِنْ تَعْظِيمِ مَا *** لَمْ يَأْذَنِ الله بأَنْ يُعَظَّمَا كَمَنْ يَلُذْ بِبقعَةٍ أَوْ حَجَرِ *** أَوْ قَبْرِ مَيْت أَوْ بِبَعْضِ الشَّجَرِ مُتَّخِذًا لِذَلِكَ المَكَانِ *** عِيداً كَفِعْلِ عَابِدِي الأَوْثَانِ ثُمَّ الزِّيَارَةُ عَلَى أَقسَامٍ *** ثَلاثَةٍ يَا أُمَّةَ الإِسْلَامِ فَإِنْ نَوَى الزَّائِرُ فِيمَا أَضمَرَهْ *** فِي نَفْسِهِ تَذْكِرَةً بِالآخرة ثم الدُعَا لَهُ وَلِلأَمْواتِ *** بالْعَفْوِ وَالصفْحِ عَنِ الزَّلاَّتِ وَلَمْ يَكُنْ شَدَّ الرِّحَالَ نَحْوَها *** وَلَمْ يقُل هَجْرًا كَقَوْلِ السُّفَهَا فَتِلْكَ سُنَّةٌ أَتَتْ صَريحَةْ *** فِي السُّنَنِ الْمُثْبَتَة الصَّحِيحَةْ أَوْ قَصَدَ الدُّعَاءَ وَالتَّوَسّلاَ *** بِهِمْ إلى الرَّحْمنِ جَلَّ وَعَلاَ فَبِدْعَةٌ مُحْدَثَةٌ ضَلاَله *** بَعيْدَةٌ عَنْ هَدْيِ ذِي الرِّسَالَةْ وَإِنْ دَعا الْمَقْبُورَ نَفْسَهُ فَقَدْ *** أَشْرَكَ بِالله الْعَظِيمِ وَجَحَدْ لَنْ يَقْبَلَ الله تعالى مِنْهُ *** صَرْفاً وَلاَ عَدْلاً فَيَعْفُو عَنْهُ إذْ كُلُّ ذَنبٍ مُوشكُ الغُفْرانِ *** إِلاَّ اتِّخَاذ النِّدِّ للرحْمنِ
وَمَنْ عَلَى الْقبْرِ سِرَاجًا أَوْقَدَا *** أَوِ ابْتَنى عَلَى الضَّرِيحِ مَسْجِدَا فَإِنَّه مُجَدِّدٌ جِهَارَا *** لِسُنَنِ الْيَهُودِ والنصَارَى كَمْ حَذَّرَ الْمُختَارُ عَنْ ذَا وَلَعَنْ *** فَاعِلهُ كَمَا رَوَى أَهْلُ السُّنَنْ بلْ قَدْ نَهَى عَن ارْتِفَاعِ الْقَبْرِ *** وَأَنْ يُزَادَ فِيهِ فَوْقَ الشِّبْر وَكلُّ قَبْرٍ مُشرِفٍ فَقَدْ أَمَرْ *** بِأَنْ يُسَوَّى هَكَذَا صَحَّ الْخَبَرْ وحذَّرَ الأُمَّةَ عَنْ إطْرَائِه *** فَغَرَّهُمْ إِبْليسُ باسْتِجْرَائِهِ فَخَالَفوهُ جَهرةً وَارْتَكَبُوا *** مَا قَدْ نَهَى عَنْهُ وَلَمْ يَجْتَنِبًوا فَانْظُرْ إِلَيْهِمْ قَدْ غَلوْا وَزَادُوا *** وَرَفَعُوا بنَاءَهَا وَشَادُوا بالشِّيدِ والآجُرِّ وَالأَحْجَارِ *** لَا سيَّمَا فِي هَذِهِ الأَعْصَارِ وَلِلْقَنَادِيلِ عَلَيْهَا أَوْقَدُوا *** وَكَمْ لِوَاءٍ فَوْقَهَا قَدْ عَقَدُوا وَنَصَبُوا الأَعْلاَمَ وَالرَّايَات *** وَافْتَتَنُوا بالأَعْظمِ الرُّفَات بَلْ نَحَروا فِي سواحِهَا النَّحائِرِ *** فِعْلَ أُولِي التَّسْيِيبِ وَالْبَحَائِرِ وَالْتَمَسُوا الْحَاجَات مِنْ مَوْتَاهمُ *** وَاتَّخَذُوا إِلهَهُمْ هَوَاهُمُ قَدْ صَادَهُمْ إِبْلِيسُ فِي فِخَاخه *** بَلْ بَعْضُهُمْ قَدْ صَارَ منْ أَفْرَاخِه يَدْعوا إلى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ *** بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ وَباللِّسَانِ فَلَيْتَ شِعْري مَنْ أَبَاحَ ذَلِكْ *** وَأَوْرَطَ الأُمَّةَ فِي المَهَالِكْ فَيَا شَدِيدَ الطَّوْلِ وَالإِنعَامِ *** إِلَيْكَ نَشْكُو مِحْنَةَ الإِسْلاَمِ.
وَالسحْرُ حَقٌّ وَلَهُ تَأْثِير *** لكِنْ بِما قَدَّرَهُ الْقَدِير أَعْنِي بِذَا التَّقْدِيرِ مَا قَدْ قَدَّرَهُ *** فِي الْكَوْنِ لَا فِي الشِّرعَةِ الْمُطَهَّرَة وَاحْكُمْ عَلَى السَّاحِرِ بالتكْفِيرِ *** وَحَدُّهُ الْقَتْلُ بِلاَ نَكِيرِ كَمَا أَتَى فِي السُّنَّةِ الْمُصَرَّحَةْ *** مِمَّا رَوَاهُ التِّرْمِذِي وَصَحَّحَهْ عَنْ جُنْدُب وَهَكَذَا فِي أَثَر *** أَمْرٌ بقَتْلِهِمْ رُوِي عَنْ عُمَر وَصَحَّ عَنْ حَفْصَةَ عِندَ مَالِكِ *** مَا فِيهِ أَقوَى مُرْشِدٍ للسالِكِ هَذَا وَمِنْ أَنْوَاعِهِ وَشُعَبِهْ *** عِلْمُ النُّجُومِ فَادْرِ هّذَا وَانْتَبِهْ وَحِلُّهُ بِالْوَحْيِ نَصّاً يُشْرَعُ *** أَمَّا بِسحْرٍ مِثْله فَيُمْنَعُ وَمَن يُصَدِّقْ كَاهناً فَقَدْ كَفَرْ *** بِمَا أَتَى بِهِ الرَّسُولُ الْمُعْتَبَرْ.
اعْلَمْ بأَنَّ الدينَ قَوْلٌ وَعَمَلْ *** فَاحْفَظْهُ وَافْهَمْ مَا عَلَيْهِ ذَا اشْتَمَلْ كَفَاكَ مَا قَدْ قَالَهُ الرَّسُولُ *** إِذْ جَاءَهُ يَسْأَلُهُ جِبْرِيلُ عَلَى مَرَاتِبٍ ثَلاَثٍ فَصَّلَهْ *** جَاءَتْ عَلَى جَمِيعِهِ مُشتَمِلَةْ الِاسْلاَمِ وَالإِيمَانِ وَالإِحْسَانِ *** وَالْكُلُّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَرْكَانِ فَقَدْ أَتَى الإِسْلاَمُ مَبْنِيٌّ عَلَى *** خَمْسٍ فَحَقِّقْ وَادْرِ مَا قَدْ نُقِلا أَوَّلُهَا الرُّكْنُ الأَسَاسُ الأَعْظَمُ *** وَهْوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الأَقوَمُ رُكن الشَّهَادَتَيْنِ فَاثْبُتْ وَاعْتَصِمْ *** بالْعُرْوة الْوُثْقَى الَّتي لَا تَنْفَصِمْ وَثَانِياً إِقَامَةُ الصلاَةِ *** وَثَالِثاً تَأْدِيَةُ الزَّكَاةِ وَالرَّابِعُ الصِّيَامُ فَاسْمَعْ وَاتَّبعْ *** وَالْخَامِسُ الحَجُّ عَلَى مَنْ يَسْتَطعْ فَتِلْكَ خَمْسَةٌ وَلِلإِيمَانِ *** سِتَّةُ أَرْكَانٍ بلاَ نُكْرَانِ إِيمَانُنَا بالله ذِي الْجَلاَلِ *** وَمَا لَهُ مِنْ صِفَةِ الْكَمَال وَبالْمَلاَئِكَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَة *** وَكُتْبهِ الْمُنْزَلَةِ الْمُطَهَّرَةْ وَرُسْلِهِ الهُدَاةِ لِلأَنَامِ *** مِن غَيْرِ تَفْرِيقٍ وَلاَ إِيهَامِ أَوَّلُهُمْ نُوحٌ بِلاَ شَكٍّ كَمَا *** أَنَّ مُحَمَّداً لَهُمْ قَدْ خَتَمَا وَخَمْسَةٌ مِنْهُمْ أُولُوا الْعَزْمِ الأُلَى *** فِي سُورَةِ الأَحْزَاب وَالشُّورَى تَلا وَبالْمَعَادِ أَيْقِنْ بلاَ تَرَدُّدِ *** وَلاَ ادِّعَا عِلْمٍ بوَقْتِ الْمَوْعِدِ لَكِنَّنَا نُؤْمِنْ مِنْ غَيْرِ امْتِرَا *** بِكُلِّ مَا قَدْ صَحَّ عَنْ خَيْرِ الْوَرَى مِنْ ذِكْرِ آيَاتٍ تَكُونُ قَبْلَهَا *** وَهِي عَلاَمَاتٌ وَأَشْرَاطٌ لَها وَيَدْخُلُ الإِيمَانُ بالْمَوْتِ وَمَا *** مِنْ بَعْدِهِ عَلَى الْعِبَادِ حُتِمَا وَأَنَّ كُلاًّ مُقْعَدٌ مَسْؤُولُ *** مَا الرَّبُّ مَا الدِّينُ وَمَا الرَّسُولُ؟ وَعِنْدَ ذَا يُثَبِّتُ الْمُهَيْمِنُ *** بِثَابِتِ الْقَولِ الَّذِينَ آمَنُوا وَيُوقِنُ الْمُرْتَابُ عِنْدَ ذَلِك *** بِأَنَّ مَا مَوْرِدُهُ الْمَهَالِك وَبِاللِّقَا وَالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ *** وَبِقِيَامِنَا مِنَ الْقُبُورِ غُرْلاً حُفَاةً كَجَرَادٍ مُنْتَشِرْ *** يَقُولُ ذُو الْكُفْرَانِ: ذَا يَوْمٌ عَسِرْ وَيُجْمَعُ الْخَلْقُ لِيوْمِ الْفَصْلِ *** جَمِيعُهُمْ عُلْوِيُّهُمْ وَالسُّفْلِي فِي مَوْقِف يَجِلُّ فِيهِ الْخَطْبُ *** وَيَعْظُمُ الْهَوْلُ بِهِ وَالْكَرْبُ وَأُحْضِرُوا لِلْعَرْضِ وَالْحِسَابِ *** وَانْقَطَعَتْ عَلاَئِقُ الأَنْسَابِ وَارْتَكَمَتْ سَجَائِبُ الأَهْوَالِ *** وَانْعَجَمَ الْبَلِيغُ فِي الْمَقَالِ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْقَيُّومِ *** واقْتُصَّ مِنْ ذِي الظُّلْمِ لِلْمَظْلُومِ وَسَاوَتِ الْمُلُوكُ للأَجْنَادِ *** وَجِيءَ بِالْكِتَابِ وَالأَشْهَادِ وَشَهِدَت الأَعْضَاءُ وَالْجَوَارِحُ *** وَبَدَتِ السَّوْءَآتُ وَالفَضَائِحُ وَابْتُلِيَتْ هُنَالِكَ السَّرَائِرْ *** وَانكَشَفَ الْمَخْفِيُّ فِي الضَّمائِرْ وَنُشِرَتْ صَحَائِفُ الأَعْمَالِ *** تُؤْخَذُ باليَمِينِ وَالشِّمَالِ طُوْبَى لِمَن يَأْخُذُ بالْيَمِينِ *** كِتَابَهُ بشرَى بِحُورٍ عِينِ وَالْوَيْلُ لِلآخِذِ بالشِّمَالِ *** وَرَاءَ ظَهْرٍ لِلْجَحِيمِ صَالِي وَالْوَزْنُ بالْقِسْطِ فَلاَ ظُلْمَ وَلاَ *** يُؤْخَذُ عَبْدٌ بِسِوَى مَا عَمِلاَ فَبَيْنَ نَاجٍ رَاجِح مِيزَانُهُ *** وَمُقْرفٍ أوْبَقَهُ عُدْوَانُهُ وَيُنْصَبُ الْجِسْرُ بِلاَ امْتِرَاءِ *** كَمَا أتَى فِي مُحْكَمِ الأنْبَاءِ يَجُوزُهُ النَّاسُ عَلَى أحْوَالِ *** بِقَدْرِ كَسْبِهمْ مِنَ الأعْمَالِ فَبَيْنَ مُجْتَازٍ إلى الجِنَانِ *** وَمُسْرِفٍ يُكَبُّ فِي النيرَانِ وَالنَّارُ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَهُمَا *** مَوْجُودَتَانِ لَا فَنَاءَ لَهُمَا وَحَوْضُ خَيْرِ الْخَلْقِ حَقٌّ وَبِهِ *** يشْرَبُ فِي الأُخْرَى جَمِيعُ حِزْبِه كَذَا لَهُ الشَّفَاعَةُ العُظْمَى كَمَا *** قَدْ خَصَّهُ الله بِهَا تَكَرُّمَا من بَعْد إذن الله لَا كَمَا يَرَى *** كُلُّ قُبُورِيٍّ عَلَى الله افْتَرَى يَشْفَعُ أوَّلاً إلى الرَّحْمن فِي *** فَصْل القَضَاءِ بَيْنَ أهْل الْمَوْقِفِ مِن بَعْدِ أنْ يَطْلُبهَا النَّاسُ إلى *** كُلِّ أُولِي الْعَزْمِ الهُدَاةِ الفُضَلا وَثَانِيًا يَشْفَعُ فِي اسْتِفْتَاحِ *** دَارِ النَّعِيمِ لأُولِي الْفَلاَحِ هذَا وَهَاتَانِ الشَّفَاعَتَان *** قَدْ خَصَّتَا بِهِ بِلاَ نُكرَان وَثَالِثَاً يَشْفَعُ فِي أقْوَامٍ *** مَاتُوا عَلى دِينِ الهُدَى الإِسْلامِ وَأَوْبَقَتْهُمْ كَثْرَةُ الآثَامِ *** فَأُدْخلُوا النَّارَ بِذَا الإجْرَامِ أَنْ يَخْرُجُوا مِنها إلى الْجِنَانِ *** بِفَضلِ رَبِّ الْعَرْضِ ذِي الإحْسَانِ وَبَعْدَهُ يَشفَعُ كُلُّ مُرْسَل *** وَكُلُّ عَبْد ذي صَلاحٍ وَوَلي وَيُخْرِجُ الله مِنَ النِّيرَان *** جَمِيعَ مَنْ مَاتَ عَلَى الإِيمَان فِي نَهْر الْحَيَاةِ يُطْرَحُونَا *** فَحْمًا فَيَحْيَوْنَ وَيَنْبِتُونَا كَأَنَّمَا ينْبُتُ في هَيْئَاتِهِ *** حَبُّ حَمِيلِ الشَّيْلِ فِي حَافَاتِهِ وَالسَّادِسُ الإيمان بالأَقْدَارِ *** فَأيْقِنَنْ بهَا وَلا تُمَارِ فَكلُّ شَيْءٍ بقَضَاءٍ وَقَدَرْ *** وَالْكُلُّ في أُمِّ الْكِتَابِ مُسْتَطَرْ لاَ نَوْءَ لَا عَدْوَى وَلاَ طِيَرَ وَلا *** عَمَّا قَضَى الله تعالى حِوَلاَ لاَ غَوْلَ لَا هَامَةَ لَا وَلاَ صَفَرْ *** كَمَا بِذَا أَخْبَرَ سَيِّدُ الْبَشَرْ وَثَالِثٌ مَرْتَبَةُ الإِحْسَانِ *** وَتِلكَ أَعْلاَهَا لَدَى الرَّحْمن وَهْوَ رُسُوخُ الْقَلْب فِي الْعِرْفَانِ *** حَتَّى يَكُونَ الْغَيْبُ كَالْعِيَان.
إِيمَاننَا يَزيدُ بِالطَّاعَاتِ *** وَنَقْصُهُ يكُونُ بالزلاَّتِ وَأهْلُهُ فيهِ عَلَى تَفَاضُلِ *** هَلْ أَنْتَ كَالأَمْلاَكِ أَوْ كَالرُّسُل وَالْفَاسِقُ الْمِلِّيُّ ذو الْعِصْيَانِ *** لَمْ يُنْفَ عَنهُ مطلَقُ الإِيمانِ لَكنْ بقَدْر الْفِسْقِ والْمعاصي *** إِيمانهُ مَا زالَ فِي انْتِقَاصِ وَلاَ نقُولُ إِنَّهُ في النَّارِ *** مُخَلَّدٌ بَلْ أَمرُهُ لِلبَارِي تَحْتَ مَشِيئَةِ الإِلهِ النَّافِذَهْ *** إِنْ شَا عَفَا عَنهُ وَإِنْ شَا آخَذَهْ بِقَدْرِ ذَنْبِهِ، وَإلى الجِنَانِ *** يُخْرَجُ إِنْ مَاتَ عَلى الإِيمَانِ وَالْعَرْضُ تَيْسِيرُ الْحِسَابِ فِي النَّبَا *** وَمَنْ يُنَاقشِ الْحِسَابَ عُذِّبَا وَلاَ نُكَفِّرْ بالْمَعَاصِي مُؤْمِنَاً *** إلاَّ مَعَ اسْتِحْلاَلِهِ لِمَا جَنَى وَتُقبَلُ التَّوْبَةُ قَبْلَ الْغَرْغَرَةْ *** كَمَا أَتَى في الشِّرْعَةِ الْمُطَهَّرَةْ أمَّا مَتَى تُغلَقُ عَنْ طَالِبِهَا؟ *** فَبطلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا.
نَبيُّنَا مُحَمَّدٌ مِن هاشِمٍ *** إلى الذبِيحِ دُونَ شَكٍّ يَنْتَمي أَرْسلَهُ الله إِلَيْنَا مُرْشِدَا *** وَرَحْمَةً لِلعَالَمِينَ وَهُدَى مولِدُهُ بمَكَّةَ الْمُطَهَّرَةْ *** هجْرَتُهُ لطَيْبَةَ الْمُنَوَّرَةْ بَعْدَ ارْبَعِينَ بَدَأ الْوَحْيُ بِهِ *** ثُمَّ دَعَا إلى سَبيل رَبِّهِ عَشرَ سنِينَ أيُّهَا النَّاس اعْبُدُوا *** رَبّاً تعالى شَأْنُهُ وَوَحِّدُوا وَكَانَ قَبْلَ ذَاك فِي غَارِ حِرَا *** يَخْلُو بِذِكْر رَبِّهِ عَنِ الْوَرَى وَبَعْدَ خَمْسِينَ منَ الأَعْوامِ *** مضَتْ لِعُمْرِ سيِّدِ الأَنَامِ أَسْرَى بهِ الله إلَيْهِ في الظُّلَمْ *** وَفَرَضَ الْخَمْسَ عَلَيْهِ وحَتَمْ وَبَعْدَ أعْوَامٍ ثَلاَثَةٍ مَضَتْ *** مِنْ بَعْدِ مِعْراجِ النَّبيِّ وانقَضَتْ أُوذِنَ بالْهِجْرَةِ نَحْوَ يَثْرِبَا *** مَع كُلِّ مُسْلِمٍ لَهُ قَدْ صَحِبا وَبَعْدَهَا كُلِّفَ بِالْقِتَالِ *** لِشِيعَةِ الْكُفْرَانِ والضَّلاَلِ حتى أتَوْا لِلدِّينِ مُنْقَادِينَا *** وَدَخَلُوا فِي السّلْمِ مُذْعِنِينَا وَبَعدَ أنْ قَدْ بَلَّغَ الرِّسَالَةْ *** واسْتَنقَذَ الْخَلْقَ مِنَ الْجَهَالَة وأكمَلَ الله بِهِ الإسْلاَمَا *** وقَام دِينُ الْحَقِّ واسْتَقَامَا قَبَضَهُ الله العَلِيُّ الأَعْلَى *** سبْحانَهُ إلى الرَّفِيقِ الأَعْلَى نَشْهَدُ بِالْحَقِّ بِلاَ ارْتِيابِ *** بِأَنَّهُ الْمُرْسَلُ بِالْكِتَابِ وَأنَّهُ بَلَّغَ مَا قَدْ أُرْسِلاَ *** بِهِ وَكُلُّ ما إِلَيْهِ أنْزِلاَ وَكُلُّ مَنْ مِن بَعْدِهِ قَدِ ادَّعى *** نُبُوَّةً فَكَاذِبٌ فِيمَا ادَّعى فَهْوَ خِتَامُ الرُّسْل بِاتِّفَاقِ *** وأفضَلُ الْخَلْقِ علَى الإطلاَق.
وَبَعْدَهُ الْخَلِيفَةُ الشَّفِيقُ *** نِعْمَ نَقِيبُ الأُمَّةِ الصِّدِّيقُ ذاكَ رَفِيقُ الْمُصْطَفَى فِي الْغَار ِ *** شَيْخُ الْمُهَاجرينَ والأنْصَارِ وَهوَ الَّذِي بنَفْسهِ تَولَّى *** جِهَادَ مَن عَنِ الْهُدَى تَولَّى ثَانيه فِي الْفضل بِلا ارْتياب *** الصَّادِعُ النَّاطِقُ بالصَّوَابِ أعْني بِهِ الشَّهْمَ أبَا حَفْص عُمَر *** مَنْ ظَاهَرَ الدِّينَ الْقَويمَ ونصَرْ الصَّارِم الْمنكِي عَلَى الْكُفَّار *** ومُوسِعُ الْفُتوحَ في الأمْصَارِ ثَالِثُهمْ عُثمانُ ذُو النُّورَيْنِ *** ذو الْحِلمِ والْحَيَا بِغَيْرِ مَيْنِ بَحْرُ الْعلُومِ جَامِعُ الْقُرْآنِ *** مِنْهُ اسْتَحَت مَلاَئِكُ الرَّحْمنِ بَايَعَ عَنْهُ سَيِّدُ الأكوَانِ *** بِكَفِّهِ في بَيْعةِ الرِّضوانِ والرَّابِعُ ابْنُ عَمِّ خَيْرِ الرُّسُلِ *** أعْنِي الإمامَ الْحَقَّ ذَا الْقَدْرِ الْعَلِي مُبِيدُ كُلِّ خَارِجِيٍّ مَارِقِ *** وَكُلِّ خِبٍّ رَافضِي فَاسِقِ مَن كَانَ لِلرَّسُولِ فِي مَكَانِ *** هَارُونَ مِنْ مُوسَى بلا نُكْرَان لاَ فِي نبُوَّةٍ فَقَدْ قَدمْتُ مَا *** يَكفي لِمَن مِنْ سُوْءِ ظَنٍّ سَلِمَا فَالسِّتَّةُ الْمُكَمِّلُونَ الْعَشرَةْ *** وَسَائِرُ الصَّحْب الْكِرَامِ الْبَرَرَة وَأهلُ بَيْتِ المُصْطَفَى الأطهَار *** وَتَابعُوهُ السَّادَةُ الأخيَارُ فَكُلُّهُمْ فِي محْكَمِ القُرْآنِ *** أثْنَى عَلَيْهمْ خَالِقُ الأكْوَانِ في الفَتْحِ وَالْحدِيدِ والْقِتَالِ *** وَغَيْرِهَا بأكمَلِ الْخِصَالِ كَذَاك في التَّوراةِ والإنْجيلِ *** صِفاتُهُمْ معلومةُ التفصيل وذكرُهم في سنَّة المختارِ *** قد سار سَيْرَ الشَّمس في الأقْطارِ ثم السُّكُوتُ وَاجِبٌ عَما جَرَى *** بَيْنَهُمُ مِنْ فِعْل مَا قَدْ قُدِّرَا فَكُلُّهُمْ مُجْتَهِدٌ مُثَابُ *** وَخطَؤُهُمْ يَغْفِرُهُ الْوَهَّابُ. خاتمة في وجوب التمسك بالكتاب والسنة، والرجوع عند الاختلاف إليهما، فما خالفهما فهو رد. شَرْط قُبُولِ السَّعْيِ أن يَجْتَمِعَا *** فِيهِ إصَابَةٌ وَإخْلاَصٌ مَعَا لله رَبِّ الْعَرْشِ لَا سِوَاهُ *** مُوَافِقَ الشَّرْعِ الذِي ارْتَضَاهُ وكلُّ مَا خَالَفَ لِلوَحْيَيْنِ *** فَإنهُ ردٌّ بِغَيْرِ مَيْنِ وكُلُ مَا فِيهِ الخِلاَفُ نصِبَا *** فَرَدُّهُ إلَيْهِمَا قَدْ وَجَبَا فالدِّينُ إنَّمَا أتَى بِالنَّقْلِ *** لَيْسَ بِالأوْهَامِ وَحَدْسِ الْعَقْل ثُمَّ إلى هُنَا قَدِ انْتَهَيْتُ *** وَتَمَّ مَا بِجَمْعِهِ عُنِيتُ سَمَّيْتُه بِسُلمِ الوُصُولِ *** إلى سَمَا مَبَاحِثِ الأصُولِ وَالحَمْدُ لله عَلَى انتِهَائي *** كَمَا حَمِدْتُ الله في ابْتِدَائِي أسْألهُ مَغْفِرَةَ الذُّنُوبِ *** جَمِيعِهَا والسِّتْرَ لِلعُيُوبِ ثُم الصَّلاَةُ والسَّلامُ أبَدَا *** تَغشَى الرَّسُولَ الْمصْطَفَى مُحَمَّدَا ثُمَّ جَمِيعُ صَحْبِهِ وَالآلِ *** السَّادَةِ الأئِمَّةِ الأبْدَالِ تَدُومُ سَرمَدا بِلاَ نَفَاد *** مَا جَرَتِ الأقْلاَمُ بِالْمِدَادِ ثُمَّ الدُّعَا وَصِيَّةُ القُرَّاءِ *** جَميعِهمْ منْ غَيْر مَا اسْتثنَاءِ أبيَاتُهَا (يُسْر) بِعَدِّ الْجُمَل *** تَأْرِيخُهَا (الْغفْرَانُ) فافْهَمْ وَادْعُ لي. بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل، وما كان معه من إله، الذي لا إله إلا هو ولا خالق غيره، ولا رب سواه، المستحق لجميع أنواع العبادة، ولذا قضى أن لا نعبد إلا إياه، ذلك بأن الله هو الحق، وأن ما يدعون من دونه هو الباطل، وأن الله هو العلي الكبير، عالم الغيب والشهادة الذي استوى في علمه ما أسر العبد وما أظهر، الذي علم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، وما يعزب عن ربك مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، كيف لا وهو الذي خلق وقدر، ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، الذي كتب على نفسه الرحمة وهو أرحم الراحمين، الذي غلبت رحمته غضبه، كما كتب ذلك عنده على عرشه في الكتاب المبين، الذي وسعت رحمته كل شيء، وبها يتراحم الخلائق بينهم، كما ثبت ذلك عن سيد المرسلين، فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها، إن الله يحيي الموتى، وهو على كل شيء قدير، الملك الحق الذي بيده ملكوت كل شيء، ولا شريك له في ملكه ولا معين , المتصرف في خلقه بما يشاء من الأمر والنهي، والإعزاز والإذلال، والإحياء والإماتة، والهداية والإضلال , ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين، لا راد لقضائه ولا مضاد لأمره، ولا معقب لحكمه، ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين، له ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير، القدوس السلام الذي اتصف بصفات الكمال، وتقدس عن كل نقص ومحال، وتعالى عن الأشباه والأمثال، حرام على العقول أن تصفه، وعلى الأوهام أن تكيفه، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، المؤمن الذي آمن أولياءه من خزي الدنيا ووقاهم في الآخرة عذاب الهاوية، وآتاهم في هذه الدنيا حسنة وسيحلهم دار المقامة في جنة عالية، المهيمن الذي شهد على الخلق بأعمالهم، وهو القائم على كل نفس بما كسبت، لا تخفى عليه منهم خافية، إنه بعباده لخبير بصير، العزيز الذي لا مغالب له ولا مرام لجنابه، الجبار الذي له مطلق الجبروت والعظمة، وهو الذي يجبر كل كسير مما به، المتكبر الذي لا ينبغي الكبرياء إلا له ولا يليق إلا بجنابه، العظمة إزاره والكبرياء رداؤه، فمن نازعه صفة منها، أحل به الغضب والمقت والتدمير. الخالق البارئ المصور لما شاء إذا شاء في أي صورة شاء من أنواع التصوير، هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن، والله بما تعملون بصير، خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير، ما خلقكم وما بعثكم إلا كنفس واحدة، إن الله سميع بصير، الغفار الذي لو أتاه العبد بقراب الأرض خطايا، ثم لقيه لا يشرك به شيئا، لأتاه بقرابها مغفرة، القهار الذي قصم بسلطان قهره كل مخلوق وقهره، الوهاب الذي كل موهوب وصل إلى خلقه، فمن فيض بحار جوده وفضله ونعمائه الزاخرة، الرزاق الذي لا تنفد خزائنه ولم يغض ما في يمينه، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، ماذا نقص من فضله الغزير؟ يرزق كل ذي قوت قوته، ثم يدبر ذلك القوت في الأعضاء بحكمته تدبيرا متقنا محكما، يرزق من هذه الدنيا من يشاء من كافر ومسلم أموالا وأولادا وأهلا وخدما، ولا يرزق الآخرة إلا أهل توحيده وطاعته، قضى ذلك قضاء حتما مبرما، وأشرف الأرزاق في هذه الدار ما رزقه عبده على أيدي رسله من أسباب النجاة من الإيمان والعلم والعمل والحكمة وتبيين الهدى المستنير، الفتاح الذي يفتح على من يشاء بما يشاء من فضله العميم، يفتح على هذا مالا، وعلى هذا ملكا، وعلى هذا علما وحكمة، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده، وهو العزيز الحكيم، العليم الذي أحاط علمه بجميع المعلومات من ماض وآت، ظاهر وكامن، ومتحرك وساكن، وجليل حقير. علم بسابق علمه عدد أنفاس خلقه، وحركاتهم وسكناتهم، وأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم، ومن هو منهم من أهل الجنة، ومن هو منهم من أهل النار في العذاب المهين، وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، يعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، ما من جبل إلا ويعلم ما في وعره، ولا بحر إلا ويدري ما في قعره، وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه، وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب، إن ذلك على الله يسير، القابض الباسط فيقبض عمن يشاء رزقه فيقدره عليه، ويبسطه على من يشاء فيوسع عليه، وكذا له القبض والبسط في أعمال عباده وقلوبهم، كل ذلك إليه، إذ هو المتفرد بالإحياء والإماتة، والهداية والإضلال، والإيجاد والإعدام، وأنواع التصرف والتدبير، الخافض الرافع، الضار النافع، المعطي المانع، فلا رافع لمن خفض، ولا خافض لمن رفعه، ولا نافع لمن ضر، ولا ضار لمن نفعه، ولا مانع لما أعطى، ولا معطي لمن هو مانع، فلو اجتمع أهل السماوات السبع والأرضين السبع وما فيهن وما بينهما على خفض من هو رافعه، أو ضر من هو نافعه، أو إعطاء من هو مانعه، لم يك ذلك في استطاعتهم بواقع، وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو، وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير، المعز المذل الذي أعز أولياءه المؤمنين في الدنيا والآخرة، وأيدهم بنصره المبين وبراهينه القويمة المتظاهرة، وأذل أعداءه في الدارين، وضرب عليهم الذلة والصغار، وجعل عليهم الدائرة، فما لمن والاه وأعزه من مذل، وما لمن عاداه وأذله من ولي ولا نصير، السميع البصير لا كسمع ولا بصر أحد من الورى، القائل لموسى وهارون إنني معكما أسمع وأرى، فمن نفى عن الله ما وصف به نفسه، أو شبه صفاته بصفات خلقه، فقد افترى على الله كذبا، وقد خاب من افترى، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير، الحكم العدل في قضائه وقدره وشرعه وأحكامه قولا وفعلا، إن ربي على صراط مستقيم، فلا يحيف في حكمه ولا يجور، وما ربك بظلام للعبيد، الذي حرم الظلم على نفسه، وجعله بين عباده محرما، ووعد الظالمين الوعيد الأكيد، وفي الحديث: إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته. وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة، إن أخذه أليم شديد، وهو الذي يضع الموازين القسط ليوم القيامة، فلا تظلم نفس شيئا، بل يحصي عليهم الخردلة والذرة والفتيل والقطمير، اللطيف بعباده معافاة وإعانة، وعفوا ورحمة، وفضلا وإحسانا، ومن معاني لطفه إدراك أسرار الأمور حيث أحاط بها خبرة، تفصيلا وإجمالا، وسرا وإعلانا، الخبير بأحوال مخلوقاته وأقوالهم وأفعالهم، ماذا عملوا وكيف عملوا، وأين عملوا ومتي عملوا، حقيقة وكيفية ومكانا وزمانا، إنها إن تك مثقال حبة من خردل، فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض، يأت بها الله، إن الله لطيف خبير، الحليم فلا يعاجل أهل معصيته بالعقاب، بل يعافيهم ويمهلهم ليتوبوا، فيتوب عليهم إنه هو التواب، العظيم الذي اتصف بكل معنى يوجب التعظيم، وهل تنبغي العظمة إلا لرب الأرباب، خضعت لعظمته وجبروته جميع العظماء، وذل لعزته وكبريائه كل كبير، الغفور الشكور الذي يغفر الكثير من الزلل، ويقبل اليسير من صالح العمل، فيضاعفه أضعافا كثيرة، ويثيب عليه الثواب الجلل، وكل هذا لأهل التوحيد، أما الشرك فلا يغفره، ولا يقبل معه من العمل من قليل ولا كثير، العلي الذي ثبت له كل معاني العلو، علو الشأن وعلو القهر وعلو الذات، الذي استوى على عرشه وعلا على خلقه بائنا من جميع المخلوقات، كما أخبر بذلك عن نفسه في كتابه، وأخبر عنه رسوله في أصح الروايات، وأجمع على ذلك أهل الحل والعقد بلا نزاع بينهم ولا نكير، الكبير الذي كل شيء دونه، والأرض جميعا قبضته يوم القيامة، والسماوات مطويات بيمينه، كما أخبر بذلك عن نفسه نصا بينا محكما، الحفيظ على كل شيء، فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، الذي وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما، حفظ أولياءه في الدنيا والآخرة، ونجاهم من كل أمر خطير، المغيث لجميع مخلوقاته، فما استغاثه ملهوف إلا نجاه، الحسيب الوكيل الذي ما التجأ إليه مخلص إلا كفاه، ولا اعتصم به مؤمن إلا حفظه ووقاه، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، فنعم المولى ونعم النصير، الجليل الذي جل عن كل نقص، واتصف بكل كمال وجلال، الجميل الذي له مطلق الجمال في الذات والصفات والأسماء والأفعال، الكريم الذي لو أن أول الخلق وآخرهم وإنسهم وجنهم قاموا في صعيد واحد فسألوه، فأعطى كل واحد منهم مسألته، ما نقص ذلك مما عنده إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، كما روى عنه نبيه المصطفى المفضال، ومن كرمه أن يقابل الإساءة بالإحسان، والذنب بالغفران، ويقبل التوبة ويعفو عن التقصير، الرقيب على عباده بأعمالهم، العليم بأقوالهم وأفعالهم، الكفيل بأرزاقهم وآجالهم وإنشائهم ومآلهم، المجيب لدعائهم وسؤالهم وإليه المصير، الواسع الذي وسع كل شيء علما، ووسع خلقه برزقه ونعمته وعفوه ورحمته كرما وحلما، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، ولا يحيطون به علما، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، الحكيم في خلقه وتدبيره إحكاما وإتقانا، والحكيم في شرعه وقدره عدلا وإحسانا، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة، ومن أكبر من الله شهادة وأوضح دليلا وأقوم برهانا، فهو العدل، وحكمه عدل، وشرعه عدل، وقضاؤه عدل، فله الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الودود الذي يحب أولياءه ويحبونه، كما أخبر عن نفسه في محكم الآيات، المجيب لدعوة الداعي إذا دعاه في أي مكان كان وفي أي وقت من الأوقات، فلا يشغله سمع عن سمع، ولا تختلف عليه المطالب، ولا تشتبه عليه الأصوات، فيكشف الغم ويذهب الهم ويفرج الكرب، ويستر العيب وهو الستير، المجيد الذي هو أهل الثناء كما مجد نفسه، وهو الممجد على اختلاف الألسن وتباين اللغات بأنواع التمجيد، الباعث الذي بدأ الخلق ثم يعيده، وهو أهون عليه، إنه هو الفعال لما يريد، الشهيد الذي هو أكبر كل شيء شهادة، وكفى بالله شهيدا، أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد، هو الحق وقوله الحق، وله الملك يوم ينفخ في الصور، عالم الغيب والشهادة، وهو الحكيم الخبير، القوي المتين، الذي لم يقم لقوته شيء، وهو الشديد المحال، الولي للمؤمنين، فلا غالب لمن تولاه، وإذا أراد بقوم سوءا فلا مرد له، وما لهم من دونه من وال، الحميد الذي ثبت له جميع أنواع المحامد، وهل يثبت الحمد إلا لذي العزة والجلال، فله الحمد كما يقول وخيرا مما نقول، لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، وكيف يحصي العبد الضعيف ثناء على العلي الكبير، المحصي الذي أحصى كل شيء عددا، وهو القائل: (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين)، (يس 12)، المبدئ المعيد الذي قال وهو أصدق القائلين: (كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين)، (الأنبياء: 104)، (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه)، (الروم: 27) وأنى يعجزه إعادته وقد خلقه من قبل ولم يك شيئا، كل يعلم ذلك ويقر به بلا نكير، المحيي المميت الذي انفرد بالإحياء والإماتة، فلو اجتمع الخلق على إماتة نفس هو محييها، أو إحياء نفس هو مميتها، لم يك ذلك ممكنا، وهل يقدر المخلوق الضعيف على دفع إرادة الخالق العلام، الحي الدائم الباقي الذي لا يموت، وكل ما سواه زائل، كما قال تعالى: (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) (الرحمن: 270)، القيوم الذي قام بنفسه، ولا قوام لخلقه إلا به، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره، فلا يحتاج إلى شيء إليه فقير , الواحد الأحد الذي لا شريك له في إلهيته وربوبيته، وأسمائه وصفاته، وملكوته وجبروته، وعظمته وكبريائه وجلاله، لا ضد له ولا ند، ولا شبيه ولا كفؤ، ولا عديل، الصمد الذي يصمد إليه جميع الخلائق في حوائجهم ومسائلهم، فهو المقصود إليه في الرغائب، المستغاث به عند المصائب، فإليه منتهى الطلبات، ومنه يسأل قضاء الحاجات، وهو الذي لا تعتريه الآفات، وهو حسبنا ونعم الوكيل، فهو السيد الذي قد كمل في سؤدده، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في صفات الكمال، ولا تنبغي هذه الصفات لغير الملك الجليل، القادر المقتدر الذي إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض، إنه على كل شيء قدير، المقدم المؤخر بقدرته الشاملة ومشيئته النافذة على وفق ما قدره، وسبق به علمه، وتمت به كلمته بلا تبديل ولا تغيير، الأول فليس قبله شيء، والآخر فليس بعده شيء، والظاهر فليس فوقه شيء، والباطن فليس دونه شيء، هكذا فسره البشير النذير، الوالي فلا منازع له ولا مضاد، المتعالي عن الشركاء والوزراء والنظراء والأنداد، البر وصفا وفعلا، ومن بره المن على أوليائه بإنجائهم من عذابه، كما وعدهم على ألسنة رسله أنه لا يخلف الميعاد، التواب الذي يرزق من يشاء التوبة، فيتوب عليه وينجيه من عذاب السعير، المنتقم الذي لم يقم لغضبه شيء، وهو الشديد العقاب والبطش والانتقام، العفو بمنه وكرمه عن الذنوب والآثام، الرؤوف بالمؤمنين ومن رأفته بهم أن نزل على عبده آيات مبينات؛ ليخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام، ومن رأفته بهم أن اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، مع كون الجميع ملكه، ولم ينزع عنهم التوبة قبل الحمام، فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير)، (التحريم 8)، مالك الملك يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، ذي الجلال والإكرام، والعزة والبقاء، والملكوت والجبروت، والعظمة والكبرياء، المقسط الذي أرسل رسله بالبينات، وأنزل معهم الكتاب والميزان؛ ليقوم الناس بالقسط، وما للظالمين من نصير، الجامع لشتات الأمور، وهو جامع الناس ليوم لا ريب فيه، إن الله لا يخلف الميعاد، الغني المغني فلا يحتاج إلى شيء، ولا تزيد في ملكه طاعة الطائعين، ولا تنقصه معصية العاصين من العباد، وكل خلقه مفتقرون إليه، لا غنى بهم عن بابه طرفة عين، وهو الكفيل بهم رعاية وكفاية، وهو الكريم الجواد، وبجوده عم جميع الأنام من طائع وعاص، وقوي وضعيف، وشكور وكفور، ومأمور وأمير نور السماوات والأرض ومن فيهن، كما وصف نفسه بذلك في كتابه، ووصفه به محمد عبده ورسوله وحبيبه ومصطفاه، وقال مستعيذا به: أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن يحل بي غضبك، أو ينزل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فبصفات ربنا تعالى نؤمن، ولكتابه وسنة رسوله نحكم، وبحكمهما نرضى ونسلم، وإن أبى الملحد إلا جحود ذلك وتأويله على ما يوافق هواه، (إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أمن يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير)، (فصلت 40)، الهادي الذي بيده الهداية والإضلال، فلا هادي لمن أضل، ولا مضل لمن هدى، (من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا)، (الكهف 17)، (من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم)، (الأنعام 39)، (قل إن هدى الله هو الهدى)، (البقرة 120)، (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير)، (لقمان 20)، البديع الذي أبدع السماوات والأرض وما بينهما بلطيف صنعه وبديع حكمته، بلا معين ولا مثال , الباقي الذي كل شيء هالك إلا وجهه، فلا ابتداء لأوليته، ولا لآخريته زوال , الوارث الذي يرث الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين، وإليه المرجع والمآل، فبإيجاده كل موجود وجد، وإليه كل الأمور تصير، الرشيد في كل أقواله وأفعاله، فبالرشاد يأمر عباده وإليه يهديهم , الصبور الذي لا أحد أصبر منه على أذى سمعه، ينسبون له الولد، ويجحدون أن يعيدهم ويحييهم، وكل ذلك بسمعه وبصره وعلمه لا يخفى عليه منهم شيء، ثم هو يرزقهم ويعافيهم، ذلك بأنهم لم يبلغوا نفعه فينفعوه، ولا ضره فيضروه , وإنما يعود نفع طاعتهم إليهم، ووبال عصيانهم عليهم، واستغنى الله والله غني حميد، (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير). أحمده تعالى على جزيل إنعامه وإفضاله , وأشكره على جليل إحسانه ونواله، وله الحمد على أسمائه الحسنى، وصفات كماله ونعوت جلاله، وله الحمد على عدله قدرا وشرعا، وله الحمد في الأولى والآخرة، وهو الحكيم الخبير. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق العلي الكبير، تعالى في إلهيته وربوبيته عن الشريك والوزير، وتقدس في أحديته وصمديته عن الصاحبة والولد، والوالد والولي والنصير، وتنزه في صفات كماله ونعوت جلاله عن الكفؤ والنظير، وعز في سلطان قهره وكمال قدرته عن المنازع والمغالب والمعين والمشير، وجل في بقائه وديموميته وغناه وقيوميته عن المطعم والمجير. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله البشير النذير، المرسل إلى الناس كافة بالملة الحنيفية والهدي المنير، بعثه الله عز وجل رحمة للعالمين، وأنزل عليه كتابه المهمين والنور المبين، والهدي المستبين، والمنهج المستنير، والشرك مضطرمة ناره , طائر شراره , مرتفع غباره، لا مغير له ولا نكير , فقام بتبليغ الرسالة حق القيام، وجاهد في الله حق جهاده إعلاء لكلمة الله، الملك العلام حتى جاء الحق، وزهق الباطل، وأدبر ليل الكفر والضلالة، وانفجر الإيمان والإسلام، ونشرت أعلام التوحيد، وعلا بنيانه وأشرقت أنواره، ونكست راية الشرك وانكسرت شوكته، وخمدت ناره ورمي بناؤه بالدمدمة والتكسير والتدمير، وعلى آله وصحبه شموس الهداية وأوعية العلم وأنصار الدين القويم وتابعيهم، (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم)، (الحشر 10) وعلى من اقتفى أثرهم، واتبع سيرهم وسلك صراطهم المستقيم، وجعلنا من المقتدين بهم، المهتدين بهديهم، المتمسكين بالكتاب والسنة، نقف معهما، وبسيرهما نسير. أما بعد: فاعلموا- رحمكم الله- أنه لا صلاح للعباد ولا فلاح، ولا نجاح ولا حياة طيبة، ولا سعادة في الدارين، ولا نجاة من خزي الدنيا وعذاب الآخرة إلا بمعرفة أول مفروض عليهم، والعمل به، وهو الأمر الذي خلقهم الله عز وجل له، وأخذ عليهم الميثاق به، وأرسل به رسله إليهم، وأنزل به كتبه عليهم، ولأجله خلقت الدنيا والآخرة، والجنة والنار، وبه حقت الحاقة، ووقعت الواقعة، وفي شأنه تنصب الموازين، وتتطاير الصحف، وفيه تكون الشقاوة والسعادة، وعلى حسب ذلك تقسم الأنوار، ومن لم يجعل الله له نورا، فما له من نور. و ذلك الأمر هو معرفة الله عز وجل بإلهيته وربوبيته، وأسمائه وصفاته، وتوحيده بذلك , ومعرفة ما يناقضه أو بعضه من الشرك والتعطيل، والتشبيه والتشبه، واجتناب ذلك، والإيمان بملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، وتوحيد الطريق إلى الله عز وجل بمتابعة كتابه ورسوله، والعمل وفق ما شرعه الله عز وجل ورسوله، ومعرفة ما يناقضها من البدع المضلة، ويميل بالعبد عنها فيجانبها كل المجانبة، ويعوذ بالله منها، فإن الله تعالى أنزل كتابه تبيانا لكل شيء، وتفصيل كل شيء، وقال: (ما فرطنا في الكتاب من شيء)، (الأنعام 35) وقال: (ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا)، (الفرقان 33)، وأرسل رسوله بذلك الكتاب مبلغا ومبينا؛ ليقرأه على الناس علي مكث، ويبينه لهم أتم البيان، ويحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون، ويديهم به إلي صراط مستقيم، فقال تعالى: (وأنزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء)، (النحل 64)، وقال تعالى: (ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون)، (النحل 64)، وقال تعالى: (وأنزلنا عليك الكتاب لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون)، (النحل 44)، وقال تعالى: (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدي ورحمة لقوم يؤمنون)، (النحل 64)، وقال تعالى: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم)، (المائدة 15-216)، ولا شفاء للقلوب والأرواح، ولا حياة لها إلا بطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والاستجابة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)، (الأنفال 20-24) الآيات، وقال تعالى: (إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون)، (الأنعام 36) ولم ينج الله تعالى من عذابه، ولم يكتب رحمته إلا لمن اتبع كتابه ورسوله، كما قال تعالى: (عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون)، (الأعراف 156- 157)، وقد كان الرسول يبعث في قومه خاصة، وبعث محمد صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، كما قال تعالى: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون)، (الأعراف 158) وقال تعالى: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون)، (سبأ 28)، ولم يتوفه الله تعالى حتى أكمل له الدين، وبلغ البلاغ المبين، وبين للناس ما نزل إليهم أوضح التبيين , وترك أمته على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك، وما من طائر يطير بجناحيه إلا وقد ذكر لهم منه علما، وهدى الله به الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، كما قال تعالى: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)، (البقرة 213)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان بين نوح وآدم عشرة قرون، كلهم على شريعة من الحق، فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، وكذلك هي في قراءة عبد الله وأبي بن كعب، وهذا التفسير مروي عن قتادة ومجاهد أيضا. وقوله: (وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم)، أي من بعد ما قامت الحجج عليهم، وما حملهم على ذلك إلا البغي من بعضهم على بعض، وقوله تعالى: (فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه)، قال النبي صلى الله عليه وسلم: نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، فنحن أول الناس دخولا الجنة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه. فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه وهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، فغدا لليهود وبعد غد للنصارى. رواه عبد الرزاق، وهو في الصحيح من طرق بألفاظ، وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه في قوله تعالى: (فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه) فاختلفوا في يوم الجمعة، فاتخذ اليهود يوم السبت، والنصارى يوم الأحد، فهدى الله أمة محمد ليوم الجمعة، واختلفوا في القبلة، فاستقبلت النصارى الشرق، واليهود بيت المقدس، وهدى الله تعالى أمة محمد للقبلة، واختلفوا في الصلاة، فمنهم من يركع ولا يسجد، ومنهم من يسجد ولا يركع، ومنهم من يصلي وهو يتكلم، ومنهم من يصلي وهو يمشي، فهدى الله تعالى أمة محمد للحق من ذلك. واختلفوا في إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فقالت اليهود: كان يهوديا، وقالت النصارى: نصرانيا، وجعله الله حنيفا مسلما، فهدى الله أمة محمد إلى الحق من ذلك. واختلفوا في عيسي عليه الصلاة والسلام، فكذبت به اليهود، وقالوا لأمه بهتانا عظيما، وجعلته النصارى إلها وولدا، وجعله الله تعالى روحه وكلمته، فهدى الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى الحق من ذلك. وقال الربيع بن أنس في قوله عز وجل: (فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه)، أي عند الاختلاف أنهم كانوا على ما جاءت به الرسل قبل الاختلاف، أقاموا علي الإخلاص لله عز وجل وحده وعبادته لا شريك له، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فأقاموا على الأمر الأول الذي كان قبل الاختلاف، وكانوا شهداء على الناس يوم القيامة، شهداء على قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب وآل فرعون، وأن رسلهم قد بلغوهم وأنهم كذبوا رسلهم، وفي قراءة أبي بن كعب وليكونوا شهداء على الناس يوم القيامة، (والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)، وكان أبو العالية رحمه الله تعالى يقول في هذه الآية: المخرج من الشبهات والضلالات والفتن. وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام يصلي من الليل قال: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. وفي الدعاء المأثور: اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبسا علينا فنضل، واجعلنا للمتقين إماما.
واعلم أنه كما أخبرنا الله تعالى عن الأمم السابقة أنهم اختلفوا اختلافا شديدا، وافترقوا افتراقا بعيدا، وفي ذلك أعظم واعظ، وأكبر زاجر عن الاختلاف والتفرق , ولم يقتصر- سبحانه- في تذكيرنا بذلك عليه، بل زجرنا عن الاختلاف زجرا شديدا، وتوعد على ذلك وعيدا أكيدا، فقال تعالى: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه)، (آل عمران 105- 106)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف، وتسود وجوه أهل البدع والاختلاف. ثم فصل تعالى مآل الفريقين، وأين توصل أهلها كل من الطريقين، فقال تعالى: (فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون)، (آل عمران 106- 107)، وحذرنا عن ذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو أولى بنا من أنفسنا، فقال صلى الله عليه وسلم: ألا وإن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهم الجماعة. وفي بعض الروايات: هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي. وقد حصل مصداق ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق من الافتراق، وتفاقم الأمر وعظم الشقاق، فاشتد الاختلاف ونجمت البدع والنفاق، فافترقوا في أسماء الله تعالى وصفاته إلى نفاة معطلة، وغلاة ممثلة. وفي باب الإيمان والوعد والوعيد إلى مرجئة، ووعيدية من خوارج ومعتزلة. وفي باب أفعال الله وأقداره إلى جبرية غلاة، وقدرية نفاة. وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته رسول الله وأهل بيته إلى رافضة غلاة، وناصبة جفاة، إلى غير ذلك من فرق الضلال، وطوائف البدع والانتحال، وكل طائفة من هذه الطوائف قد تحزبت فرقا وتشعبت طرقا، وكل فرقة تكفر صاحبتها، وتزعم أنها هي الفرقة الناجية المنصورة.
وقد أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن الفرقة الناجية هم من كان على مثل ما كان عليه هو وأصحابه، وليس أحد من هؤلاء كذلك، بل إنهم قد ضلوا من قبل، وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل، وذلك لأنه لا يعرف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلا من طريق سننه المروية، وآثاره المصطفوية التي هي الشريعة الغراء، والمحجة البيضاء، وهؤلاء من أبعد الناس عنها، وأنفرهم منها، وإنما تصلح هذه الصفة لحملتها وحفاظها، ونقادها المنقادين لها، المتمسكين بها، الذابين عنها، يقفون عندها ويسيرون بسيرها، لا ينحرفون عنها يمينا ولا شمالا، ولا يقدمون عليها لأحد مقالا، ولا يبالون من خالفهم ولا من خذلهم، ولا يضرهم ذلك حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى. أعني بذلك أئمة الحديث وجهابذة السنة وجيش دولتها، المرابطين على ثغورها، الحافظين حدودها، الحامين حوزتها، وفقهم الله عز وجل للاستضاءة بنورها، والاهتداء بهديها القويم، وهداهم لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، فآمنوا بما أخبر الله به من كتابه، وأخبر به عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم في سنته، وتلقوه بالقبول والتسليم، إثباتا بلا تكييف ولا تمثيل، وتنزيها بلا تحريف ولا تعطيل، فهم الوسط في فرق هذه الأمة، كما أن هذه الأمة هي الوسط في الأمم، فهم وسط في باب صفات الله تعالى بين أهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة، وهم وسط في باب أفعال الله تعالى بين الجبرية والقدرية، وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم، وفي باب الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة، وبين المرجئة والجهمية، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرافضة والخوارج، فهم والله (أهل السنة والجماعة)، وهم الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة، الذين لم تزل قلوبهم على الحق متفقة مؤتلفة، وأقوالهم وأعمالهم وعقائدهم على الوحي لا مفترقة ولا مختلفة، فانتدبوا لنصرة الدين دعوة وجهادا، وقاوموا أعداءه جماعات وفرادى، ولم يخشوا في الله لومة لائم، ولم يبالوا بعداوة من عادى، فقهروا البدع المضلة، وشردوا بأهلها، واجتثوا شجرة الإلحاد بمعاول السنة من أصلها، فبهتوهم بالبراهين القطعية في المحافل العديدة، وصنفوا في رد شبههم ودفع باطلهم وإدحاض حججهم الكتب المفيدة، فمنهم المتقصي للرد على الطوائف بأسرها، ومنهم المخلص لعقائد السلف الصالح من غيرها، ولم تنجم بدعة من المضلين الملحدين إلا ويقيض الله لها جيشا من عباده المخلصين، فحفظ الله بهم دينه على العباد، وأخرجهم بهم من ظلمات الزيغ والضلالة إلى نور الهدى والرشاد، وذلك مصداق وعد الله عز وجل بحفظه الذكر الذي أنزله كما قال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (الحجر 9)، وإعلاء لكلمته، وتأييدا لحزبه، إذ يقول: (وإن جندنا لهم الغالبون) (الصافات 173).
وقد سألني من لا تسعني مخالفته من المحبين أن أنظم مختصرا، يسهل حفظه على الطالبين، ويقرب مناله للراغبين، يفصح عن عقيدة السلف الصالح ويبين، فأجبته إلى ذلك مستعينا بالله، راجيا الثواب من الله، قائلا لا حول ولا قوة إلا بالله، وضممت إلى ذلك مسائل نافعة تتعلق بهذه العصور من التنبيه علي ما افتتن به العامة من عبادة الأشجار، والأحجار والقبور، ومناقضتهم التوحيد بالشرك الذي هو أقبح المحظور، وصرف جل العبادة لغير الله من الدعاء، والرجاء والخوف والمحبة والذبح والنذور، فيسر الله تعالى ذلك بمنه وإفضاله، وأعانني وله الحمد والمنة على إكماله. وسميته (سلم الوصول إلى مباحث علم الأصول)، فلما انتشر بأيدي الطلاب وعظمت فيه رغبة الأحباب، سئل مني أن أعلق تعليقا لطيفا يحل مشكله، ويفصل مجمله، مقتصرا على ذكر الدليل ومدلوله من كلام الله تعالى وكلام رسوله، فاستخرت الله تعالى بعلمه، واستقدرته بقدرته، فعن لي أن أعزم على ذلك الأمر المسئول، مستمدا من الله تعالى الإعانة على نيل السول، (وسميته معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول). والله أسأل أن يعين على إكماله بمنه وفضله، وأن ينفعني وطلاب العلم به وبأصله، وأن يهدينا الصراط المستقيم، ويجعلنا من أنصار التوحيد وأهله، إنه سميع قريب مجيب، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. بسم الله الرحمن الرحيم
|